عدة أسئلة عن الحج وأحكامه وأجوبتها
صاحب الفضيلة
الشيخ: فؤاد بن يوسف أبو سعيد حفظه الله تعالى
سائلة –جزاها الله خيرا- من ملتقى أحبة القرآن، تسأل صاحب الفضيلة الشيخ: فؤاد بن يوسف أبو سعيد حفظه الله تعالى، عدة أسئلة تعليقا على خطبة الجمعة، والتي كانت بعنوان: (الحج المبرور أجر وثواب)؛ تقول فيها:
(بسم الله الرحمن الرحيم
أسطر وكلمات راقية، جعلتني أعيش لحظاتها لحظة بلحظة.
أسلوب رائع، لوصف مناسك الحج.
جزاكم الله خيرا ... وجزى الله الشيخ خيرا كثيرا.
لدي سؤال:
هل يحق للمسؤولين والمرشدين أن يقرروا التغيير في ترتيب المناسك؟ مثل: تقديم طواف الإفاضة على رمي جمرة العقبة الكبرى؟
ومسألة رمي الجمرات الأخيرة قبل الزوال، بل وقبل صلاة الفجر؟
وهل يجوز الخروج عن المجموعة رغبة في القيام بالمناسك على ترتيبها ووقتها، كما حج رسولنا الكريم؟
وهل يأثم من ناقش المرشد في ذلك، ورفض السير معهم، وكان هناك بديل يسير معهم؟!
وجزاكم الله الجنة على المجهود الطيب).
فأجاب فضيلته –جزاه الله خيرا-:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين وبعد؛
أشكر الله أولا، ثم الأخت السائلة، وسائر القرّاء على حسن ظنهم، وأخلاقهم الطيبة.
أما عن السؤال الأول:
*) هل يحق للمسؤولين والمرشدين أن يقرروا التغيير في ترتيب المناسك؟
أقول وبالله التوفيق: يجوز للمرشدين والمسئولين أن يقرروا ما هو الأرفق والأسهل والأيسر من مناسك الحج والعمرة، كترك بعض السنن والمندوبات، رفقا بالحجاج عند وجود الازدحام الشديد، أو احتمال الضياع والتيه عن الرفقة والجماعة، فقد أذن النبي صلى الله عليه وسلم للرعاة والسقاة المبيت خارج منى، وتأجيل الرمي، عَنْ أَبِي الْبَدَّاحِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: "رَخَّصَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرِعَاءِ الْإِبِلِ فِي الْبَيْتُوتَةِ =أي خارج منى=، أَنْ يَرْمُوا يَوْمَ النَّحْرِ، ثُمَّ يَجْمَعُوا رَمْيَ يَوْمَيْنِ بَعْدَ النَّحْرِ، فَيَرْمُونَهُ فِي أَحَدِهِمَا -قَالَ مَالِكٌ: ظَنَنْتُ أَنَّهُ قَالَ: فِي الْأَوَّلِ مِنْهُمَا- ثُمَّ يَرْمُونَ يَوْمَ النَّفْرِ". سنن ابن ماجه (3037)
قال الألباني في منسكه: [وأن يرمى في الليل بقوله صلى الله عليه وسلم: "الراعي يرمي بالليل ويرعى بالنهار"]. مناسك الحج والعمرة (ص: 39).
أما الأركان؛ فلا يجوز لا التغيير، ولا التقديم ولا التأجير، فالوقوف بعرفة يبدأ وقته من دخول وقت الظهر، من التاسع من ذي الحجة، وينتهي بدخول وقت الفجر من يوم عيد الأضحى، فلا يجوز تقديمه في اليوم الثامن، ولا تأخيره إلى ما بعد فجر عيد الأضحى.
هذا بالنسبة للزمان أما المكان؛ فعرفة له حدود وعلامات، فمن وقف في الزمان المناسب والمكان غير المناسب فلا حج له.
ولكن لا يعني الأخذُ بالرخص تمييع العبادة، وفعلها قبل وقتها، فلا طاعة لمن أمر بذلك، لأن هناك مندوحة أن نؤخر لا أن نقدم، كالرمي مثلا، يوم العيد؛ السنة الرمي يكون بعد طلوع الشمس ضحى، ويجوز عند الحاجة والضرورة قبل الفجر عند كثير من العلماء.
مثل: تقديم طواف الإفاضة على رمي جمرة العقبة الكبرى؟
نعم؛ يجوز والأفضل ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم، فعَنْ جَابِرٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَمَى، ثُمَّ قَعَدَ لِلنَّاسِ، فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنِّي حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَنْحَرَ، قَالَ: «لَا حَرَجَ». ثُمَّ جَاءَهُ آخَرُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! طُفْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ، قَالَ: «لَا حَرَجَ». قَالَ: فَمَا سُئِلَ عَنْ شَيْءٍ إِلَّا قَالَ: «لَا حَرَجَ». ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ عَرَفَةَ مَوْقِفٌ، وَكُلُّ مُزْدَلِفَةَ مَوْقِفٌ، وَمِنًى كُلُّهَا مَنْحَرٌ، وَكُلُّ فِجَاجِ مَكَّةَ طَرِيقٌ وَمَنْحَرٌ». سنن الدارمي (2/ 1195، رقم 1921)
أما السؤال الثاني:
مسألة رمي الجمرات الأخيرة قبل الزوال، بل وقبل صلاة الفجر؟
أما هذه المسألة؛ ففيها نزاع بين العلماء، والذي أراه وأختاره عدم جواز رمي الجمرات أيام التشريق قبل الزوال، وللحاجة يمتد الرمي من الزوال إلى الليل، والله تعالى أعلم.
أما السؤال الثالث:
هل يجوز الخروج عن المجموعة رغبة في القيام بالمناسك على ترتيبها ووقتها كما حج رسولنا الكريم؟ وهل يأثم من ناقش المرشد في ذلك ورفض السير معهم وكان هناك بديل يسير معهم؟!
إذا كان خروج الحاج عن المجموعة رغبة في القيام بالمناسك على ترتيبها ووقتها كما حج رسولنا الكريم يؤدي إلى ضياعه، وقلق المسئولين عليه، وربما أدى به ذهابه إلى منى، والمبيت بها، وهو سنة، إلى تضييع الركن، وهو الوقوف بعرفة، هنا يأثم، وأبطل حجه، لفقد ركن من أركانه، فـ"الحج عرفة"، كما ثبت في الحديث.
وإن كان يأمن من الضياع ونحوه فيكره له ترك الجماعة، «... فَإِنَّ يَدَ اللَّهِ عَلَى الْجَمَاعَةِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ يَرْكُضُ». سنن النسائي (4020) وانظر صحيح الجامع (8065).
ومناقشة المرشد والاستفسار بأدب لا مانع منه، بل يجب ذلك عند الجهل بأمر ما من الدين والعبادة، فإن حصلت قناعة كان بها، وإلا فلا يشغِّب الحاج على مرشده، وينهي مسألته.
والذي أنصح به نفسي وإخواني وأخواتي ألا أسأل إلا من أثق به وبدينه وعلمه، فإذا سألته فلا أسأل غيره، وأتجنب سؤال المستهترين، ومن لا علم لهم فيما أسألهم عنه.
ثم إذا لم نقتنع بجوابٍ ما؛ ووجدنا رفقة على ما اقتنعنا به فإنا نسير مع هذه الرفقة التي هي في ظننا أقرب إلى الصواب.
مثاله: قال مرشدنا: (نرجم ثاني أيام التشريق قبل الزوال) ورحل إلى مكة، فلم نقتنع، فإن وجدنا رفقة من أهل بلدنا تأخرت فرجمت بعد الزوال، تأخرنا معها، وإن لم نجد ذهبنا مع مرشدنا ورجمنا معه والله يتولاه، ولا شيء علينا للعجز عن الإتيان بالواجب كما هو، وخوف الضياع والزحام ونحو ذلك.
والله تعالى أعلم